الصحاري.. سحر وعشق البداوة

0

بيئات وخصائص مختلفة

الصحاري.. سحر وعشق البداوة

للصحراء سحرها وأنغامها، ومؤنسيها، فهي عشق خاص للبعض، يعيشون فيها أجمل لحظاتهم، على الرغم من اختلاف بيئاتها، وخصائصها، فهي بالمفهوم العام مساحة كبيرة جافة جدًا، تضم نباتات متناثرة وقاسية، وبعضها خالٍ من النباتات، غير أنها في نظر عاشقيها تضاهي الجنان الوارفة.

وهناك العديد من أنواع البيئة الصحراوية، مصنفة على أساس: المناطق الحارة والجافة، وشبه الجافة، والساحلية، والباردة، فالبيئة الصحراوية الحارة الجافة تقع بالقرب من خط الاستواء، ومن مميزات المناخ الصحراوي في هذه البيئات درجة الحرارة المرتفعة طوال العام، بحيث تصل إلى أقصى درجات الحرارة خلال أشهر الصيف، بينما تمتاز النباتات في البيئات الصحراوية الحارة الجافة بقدرتها على العيش خلال فترات الجفاف الطويلة، وخلال الأيام الحارة والليالي الباردة جدًا، وغالبًا ما تزدهر النباتات التي تنمو بالقرب من سطح الأرض في هذه البيئات. أمّا الحيوانات فإنّها تتكيف من خلال العيش تحت الأرض بحثًا عن مناطق أبرد، وقليل منها يتفادى فقط حرارة النهار ليخرج ليلاً من مخبئه.

وتعرف البيئة الصحراوية شبه الجافة على أنّها بيئات شبيهة بالبيئات الصحراوية الحارة الجافة إلى حد كبير، فهي ذات صيف طويل وجاف، وتهطل فيها كميات قليلة من أمطار الشتاء. ويُمكن القول بأنّ هذه المواطن البيئية شبيهة بالغابات الحرشية والمناطق العشبية، وتتكيف النباتات في هذه البيئات من خلال الأشواك أو الشعيرات التي تنمو عليها، فتغطي سطح النبات، وتقلل من فقد النبات للماء.

بينما تمتاز البيئة الصحراوية الساحلية، بشتاء بارد يتبعه صيف طويل دافئ معتدل، وتتراوح درجات الحرارة فيها صيفًا بين 13°-24° درجة مئوية، بينما تنخفض إلى 5° درجات مئوية، أو أقل في فصل الشتاء، بحيث تبلغ أقصى درجة حرارة في فصل الصيف نحو 35° درجة مئوية، وفي الشتاء 4-° درجة مئوية، أمّا بالنسبة لمعدلات هطول الأمطار في هذه المناطق، فتتراوح بين 8-13 سم سنويًا، وبلغ أقصى هطول مطر سنوي حصلت عليه هذه المناطق 37 سم، بينما كانت أدنى قيمة له 5 سم. وتمتاز تربة الصحراء الساحلية بأنّها ذات حبيبات ناعمة مع كميات معتدلة من الأملاح.

وتضمّ البيئات الصحراوية الساحلية عددًا من الحيوانات أكبر من تلك التي تضمّها البيئات الحارة الجافة وشبه الجافة؛ لأنّ الظروف المناخية هنا ليست بتلك القسوة، فالثدييّات وبعض البرمائيات، والطيور، والزواحف هي حيوانات تكيّفت واستطاعت أن تطور من استجابتها لظروف البيئات الصحراوية الساحلية.

 بالمقابل، تتوزع البيئة الصحراوية الباردة في المنطقة القطبية الجنوبية، وجرينلاند، والإقليم القطبي الشمالي الجديد، ويمتاز شتاء هذه البيئات بأنّه بارد، وتحدث فيه العديد من الهطولات الثلجية والمطرية، أمّا صيفها فيمتاز بقصره مدته، ورطوبته، ودفئه المعتدل، بالإضافة إلى هطول بعض الأمطار، وتتراوح درجات الحرارة في الشتاء بين 2-°-4° درجات مئوية، فيما تتراوح درجات الصيف بين 21°-26° درجة مئوية، أمّا الأمطار فتتراوح معدلات هطولها السنوية بين 15-26 سم، وقد وصل إلى حد لها إلى حوالي 46 سم، ووصل أدنى حد لها إلى 9 سم، وتمتاز تربة هذه البيئات بأنّها كثيفة وطينية ومالحة، وبأنّها ذات مسامية جيدة نسبياً وذات تصريف جيد للمياه.

وتمتاز البيئات الصحراوية الباردة بانتشار الغطاء النباتي فيها بشكل مبعثر، إذ تُغطي النباتات ما نسبته 10% من المناطق الظليلة في هذه الصحاري، وفي بعض الأحيان، تصل هذه النسبة إلى 85%، وتُعدّ الأشجار متساقطة الأوراق هي النباتات السائدة فيها، وتتكيف مع البيئات الباردة عن طريق أوراقها الشوكية، وتُعدّ الشجيرات أو الأشجار المنخفضة أكثر النباتات شيوعًا فيها، ويتراوح ارتفاع النباتات في هذه البيئة بين 15-122 سم. وتتكيف الحيوانات في البيئات الصحراوية الباردة من خلال حفر جحور أسفل الأرض لتقي نفسها من البرد.

هنالك العديد من الخصائص للبيئات الصحراوية تختلف باختلاف وجودها على سطح الكرة الأرضية والنمط المناخي الذي تمتاز به، غير أنّها تشترك بارتفاع درجات الحرارة، على الرغم من أنّ بعضها قد يمتاز بمناخه البارد جداً كصحراء القارة القطبية الجنوبية، التي تعتبر أكبر صحراء في العالم، بينما تتلقى بعض البيئات الصحراوية كميات أكبر من الأمطار، غير أن جميعها تقل فيها معدلات الهطول عن 25 سم سنويًا، كما أنّها تفقد مياه الأمطار سريعاً بسبب معدلات التبخر العالية.

هناك سمات رئيسية للموطن البيئي للصحاري، متمثلة في: قلة معدلات الهطول المطري السنوية، التغيّرات الكبيرة في درجات الحرارة أثناء اليوم، ارتفاع معدلات التبخر، خشونة التربة، النباتات مقاومة للجفاف.

في اللغة العربية تعرف الصحراء بالعديد من الأسماء، من بينها: الصحراء من الصحرة والصحر، ذات لون أحمر يضرب إلى الغبرة. كما تسمى بادية؛ لأنها تبدو لمن يراها فهي مستوية لا يوجد فيها مرتفعات، وكذلك بيداء لأنها تبيد من يحلها، ومفازة بمعنى خطرة لمن يعبرها، وفلاة بمعنى الأرض الواسعة التي لا نبات فيها ولا ماء.

من أشهر الصحاري في العالم، هي: صحراء القطب الجنوبي، وتعرف باسم الصحراء الباردة، والصحراء القطبية الشمالية، صحراء الربع الخالي، الصحراء الإفريقية الكبرى، صحراء جوبي في آسيا، الصحراء العربية بمنطقة الشرق الأوسط، الصحراء السورية، صحراء فكتوريا الكبرى في أستراليا، صحراء كالهاري في إفريقيا، صحراء الحوض العظيم في أمريكا، وصحراء باتاغونيا في أمريكا الجنوبية. 

تمثل الصحاري نسبة كبيرة للغاية من مساحة اليابسة، ويمكن استغلال هذه المساحة لمساعدة الإنسان على الخروج من الحيز الضيق للأرض الزراعية، واستغلال الصحراء لتكون ثروة بالنسبة للدولة ويتم تنمية الصحراء من خلال توفير استغلال ثرواتها الطبيعية بالطريقة المثالية من بترول وفحم، ومنجنيز، وذهب، فضلاً عن التفكير في تأسيس وإنشاء المدن الجديدة، حيث يتم توفير كل المتطلبات اللازمة للحياة، من مسكن ومشرب، ومواصلات، ومرافق عامة، وأماكن للعمل، وكذلك أماكن الدراسة، حتى يتم جذب الإنسان للعيش بها.

كما يمكن تنمية الصحاري باستغلال المساحات الشاسعة في إنشاء المصانع، والشركات الكبرى، والمشاريع العملاقة، واستغلال مميزات البيئة الصحراوية لخدمة الإنسان، حيث يجب الاعتماد على الشمس في توليد طاقة نظيفة، ويتم بيعها بأسعار كبيرة، مما يحقق دخلاً للاقتصاد، مع الحرص على زراعة الأماكن الصحراوية من خلال استخدام التكنولوجيا، والوسائل الحديثة في الري، مما يعمل على زيادة الثروة النباتية، واستغلال الصحراء في الترويج للسياحة العلاجية.

فيما يمكن المحافظة على البيئة الصحراوية بطرق عدة من بينها: زراعة الشجيرات والأعشاب؛ وحفر الخنادق اللازمة لتجميع مياه الأمطار والحبوب التي تنقلها إليها الرياح، وتشجيع الناس على سلك طرق محددة في الصحراء بمركباتهم، وتشجيع السكان الذين يقطنون في المنتجعات الواقعة في المدن الصحراوية على استبدال النباتات الصحراوية الأصلية التي لا تتطلب رعايتها كميات كبيرة من الماء بالمروج العشبية المحِبة للماء.

ويكون مصدر المياه في البيئات الصحراوية من المياه الجوفية التي تعد مصدراً أساسياً، وتتكون هذه المياه نتيجة المسامية العالية التي تتميز بها الرمال في الصحراء، مما يترتب عليه تسرب الماء إلى باطن الأرض الصحراوية، وبالتالي تتجمع بكميات كبيرة، مكون مياه جوفية. وكذلك الواحات التي يوجد بها كميات كبيرة من الماء، حيث يمكن الاستعانة بها في ظل الظروف القاسية للصحراء، والأمطار على ندرتها.

////////////////////////////////////

التزلج والتفحيط والسباقات.. أشهر رياضات الصحراء

يمارس الكثيرون هواياتهم الرياضية في الصحراء، خصوصاً محبي التزلج على الرمال، والتفحيط بالسيارات والسباقات المختلفة، من ركوب المظلات والمشي لمسافات طويلة، وغيرها من الرياضات الأخرى.

ويعد التزلج على الرمال أحد الرياضات التي تمارس على الكثبان الرملية بدلاً من الجبال الثلجية، ولها متابعون بجميع أنحاء العالم، خصوصاً في المناطق الصحراوية والساحلية التي تحتوي على الكثبان الرملية. وعلى الرغم من أن هذه الرياضة أقل رواجاً من التزلج على الجليد، لصعوبة صنع وتركيب مصاعد على الكثبان الرملية، غير أن له روادها، ويمكن ممارسة التزلج على الرمال على مدار العام، بينما التزلج على الجليد، فيكون خلال مواسم محددة بالسنة. 

يأتي التفحيط في مقدمة الرياضات التي يعشها الكثيرون، حيث تمارس هذه الرياضة بشكل بارز في الدول الخليجية لطبيعة البيئة الصحراوية، بمشاركة عدد ضخم من الشباب الذين يحضرون لاستعراض مهارتهم وتنفيذ مجموعة من الحركات الاستعراضية، التي تتحول أحياناً لحوادث مميتة، كما أن هناك العديد من المسابقات الدولية التي تجرى على رمال الصحراء، مثل رالي “داكار”.

وغير سباق السيارات الصحراوي، هناك سباق الهجن، كرياضة عربية أصيلة، وكذلك في أفريقيا وأستراليا، كما تحرص بعض الدول خاصة المملكة والإمارات وقطر والأردن وعمان ومصر على إقامة هذا السباق بانتظام، فهي رياضة توارث العرب جيل عن آخر على مرِّ العصور والأزمان، باعتبارها تراث عريق قيِّم تقدره الأجيال الحاضرة، وتضعه في المكانة اللائقة به، ويصفه الكثيرون بأنّها الرياضة القديمة الحديثة، أو رياضة الأجداد التي تثير الحماس والتنافس بين الشباب في العصر الحديث.

ولرياضة المظلات الصحراوية عشاقها في مختلف دول العالم، إذ ابتكرها الشباب مستفيدين من الأجواء المعتدلة والرياح الصحراوية المتوسطة التي تهب في هذه الأوقات، وبعيداً عن كونها مغامرة صحراوية تعتمد على توازن الجسم وحجم المظلة، تأخذ هذه الرياضة معنى مختلفاً على الكثبان الرملية عندما تمارس بشكل جماعي مهد لبعضهم تنظيم فرق ومسابقات للتنافس الجماعي. 

وتعتبر رياضة المشي لمسافات طويلة في الصحراء، واحدة من أجمل الرحلات الصعبة والصعبة، وسط مناظر طبيعية، حيث تنقل المتنزهين إلى ما يبدو كأنه عالم مختلف من الصمت، بينما توجد بعض الرياضات الشعبية مثل: أَردُوخْ وهي لعبة عضلية مثل المصارعة الحرة، يمارسها رجلان، بالتشابك البدني بالأيدي والأذرع والتدافع ليبلغ اللعب نهايته بإسقاط المنهزم أرضاً. وكذلك خْبِيطْ الشَّارَة، وهي رياضة ذكورية أشبه إلى حد كبير بالرماية، يمارسها الصحراويون بشكل اعتيادي منظم، أو خلال مناسبات الزفاف وغيرها.

أما رياضة قَاش، تختص بالخفة والرشاقة والقفز حيث يزاولها الصبية والأطفال، وتتمثل في انحناء أحدهم واضعاً يديه على ركبتيه، فيتخذه اللاعبون بمثابة حاجز للقفز، وإن حدث ولمسه أحد اللاعبين ينوب عنه في هذا الوضع وهكذا.

//////////////////////////////

مراكز بحثية وتعليمية تهتم بمجتمعات الصحاري

تختص بعض المراكز البحثية بتنمية المجتمعات الصحراوية، من بينها المركز العربي لأبحاث الصحراء وتنمية المجتمعات الصحراوية، التابع لهيئة أبحاث العلوم الطبيعية والتكنولوجيا، والذي تأسس في ليبيا عام 1987م، ويجري المركز البحوث والدراسات العلمية المتعلقة بتطوير المناطق الصحراوية وتنمية المجتمعات الصحراوية.

قبل ذلك بسنوات طويلة افتتح مركز بحوث الصحراء في مصر، وتحديداً عام 1950م، تحت اسم معهد فؤاد الأول للصحراء، حتى صدر القرار الجمهوري رقم 90 لسنة 1990م بإنشاء مركز بحوث الصحراء، بهدف استكشاف الموارد الطبيعية في الصحاري المصرية، بينما تتمثل مهمة مركز أبحاث صحراء نيفادا في اكتساب فهم أفضل لهيكل ووظيفة النظام الإيكولوجي في صحراء موهافي على جميع المستويات، وكيف يمكن أن تتأثر الوظيفة والهيكل بالتغيرات في المناخ العالمي.

أما مركز بحوث الصحراء ثار، الذي أنشئ في عام 2017، يوفر فرصة للناس من جميع شرائح المجتمع من أجل تنمية أفضل في جميع مناحي الحياة، فيما يعمل المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، المؤسس عام 1968 في دمشق ضمن إطار جامعة الدول العربية، بهدف توحيد الجهود القومية لتطوير البحث العلمي الزراعي في المناطق الجافة وشبه الجافة وتبادل المعلومات والخبرات على نحو يمكِّن من الاستفادة من ثمار التقدم العلمي ونقل وتطوير وتوطين التقنيات الزراعية الحديثة بغية زيادة الإنتاج الزراعي في هذه المناطق.

وتأسس معهد جاكوب بلوستين لأبحاث الصحراء في عام 1974. وفي عام 1980، قدمت مؤسسة جاكوب وهيلدا بلوستين مساهمة سخية إلى جامعة بن غوريون، وأطلق على المعهد اسم معهد جاكوب بلاوستين لأبحاث الصحراء.  أما معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء، أنشئ  تحت مسمى “مركز دراسات الصحراء” كإدارة مستقلة ترتبط بمدير جامعة الملك سعود عام  1406 هـ / 1986م، انطلاقاً من اهتمامات حكومة المملكة بإنشاء مراكز بحثية متخصصة وخاصة في موضوع حيوي مهم يتعلق بالبيئة الصحراوية الجافة السائدة في المملكة. وكان الهدف من إنشاء المركز تصميم وإجراء البحوث العلمية المتعلقة بتنمية الصحراء ومقاومة التصحر في شبه الجزيرة العربية.

ومن المراكز التعليمية، مركز تعليم بحوث الصحراء، الذي يعمل على تعزيز الفهم العلمي والحماية والحفاظ على متنزهات شبكة صحراء سونوران، ويوفر مساحة ودعمًا للباحثين الزائرين والمتدربين، كما يستضيف التعلم التجريبي العملي لمجموعات الطلاب المحليين. وهناك معهد غوجارات لبيئة الصحراء الذي تأسس في عام 1995م، ومعهد بحوث المعرفة الصحراوية، المهتم بالتعرف على قيمة أستراليا النائية والإقليمية وتنميتها من خلال البحوث التطبيقية عالية الجودة التي تستفيد من الخصائص الفريدة ونقاط القوة للمعرفة العلمية والثقافية للمناطق النائية والقاحلة والصحراوية.

معهد دراسات الصحراء، هو الآخر تأسس عام 1997 كبرنامج تعاوني بين قسم الأنثروبولوجيا في جامعة ولاية بويز ومنتزه سيليبريشن، ويقدم كل عام مجموعة واسعة من العروض الأكاديمية ذات الأهمية والقيمة للطلاب والمتخصصين في التدريس ومواطني أيداهو والزوار.

/////////////////////////////////

تراث أدبي بديع للصحاري العربية

ارتبطت الصحاري العربية بنصوص أدبية تراثية فريدة وهي المعلقات الشعرية، التي لا تزال تقرأ باللغة نفسها التي قيلت بها منذ مئات السنين، حيث بدت صورة الطبيعة من خلال الشعر الجاهلي جلية محملّة بكثير من التفاصيل والملامح الدقيقة التي تركت أثرًا بارزًا في نفوس الشعراء آنذاك.

وكانت الطبيعة شاهداً سجّل غزوات العرب وانتصاراتهم ورحلاتهم المتعددة وشجونهم وسنوات عشقهم، فكانت المحيط الواسع والملجأ الذي يلتمس فيه الشاعر الأنس والأمان، كما يبدو في لامية العرب للشنفري، الذي كان أكثر قرباً للطبيعة وأشد التصاقًا بها، فقد حكمت عليهم ظروف حياتهم بالاستقرار في أرجائها المطلقة، واتخاذها في ذاتها مسكنًا وملجأً له صيفًا وشتاء، حتى استبدل بأهله كائنات الطبيعة الأخرى من سباع وضباع وبقر وحشي، واتخذ من أرض الصحراء بيتًا له، ومن سمائها سقفًا يؤويه.

وبدت صورة الطبيعة من خلال الشعر الجاهلي، على الرغم من وحشتها الصحراوية وافتقارها لمظاهر الجمال البيئي من زهر وخضرة، ذات امتيازات جمالية خاصة مكنت أهلها من التآلف معها والتمازج الحيوي الذي جعلها تنعكس في ملامحهم وطباعهم، ولغتهم التي اكتسبت خصوصية ملحوظة في معظم الألفاظ التي تلاشت بتلاشي مظاهر تلك الطبيعة الجاهلية، وظلت مخلدة في آفاق الشعر الجاهلي، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:

أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّم.. بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ

وَدارٌ لَها بِالرَقمَتَينِ كَأَنَّها مَراجِعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ

بِها العَينُ وَالأَرامُ يَمشينَ خِلفَةً.. وَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِمِ

أثافيّ سفعًا في معرّس مرجلٍ.. ونؤيًا كجذم الحوض لم يتثلّمِ

ملامح الطبيعة في معلقة زهير جاءت مشحونة بالعاطفة التي تكفي لتفسير ملامح تلك الطبيعة الصحراوية القاسية التي بات الفراق والتلاشي جزءًا أساسيًا فيها، بينما لا تقتصر صورة الطبيعة من خلال الشعر الجاهلي على الموطن الذي عايشه الشعراء ولازموه زمنًا، فقد تمكنت الطبيعة من أن تترك أثرها في نفوسهم، وتخلد في أشعارهم، وإن كانت محض محطة سير عابرة. كما أطلق شعراء الجاهلية خيالهم معلنين تجاوزهم المطلق لكل حدود الأرض وما يتصل بها؛ ليجعلوا من السماء ونجومها عنوانًا لحريتهم ولطموحهم المطلق. 

وتأقلم سكان الصحراء، مع ظروفها القاسية حيث يطلق عليهم في الوطن العربي اسم البدو، وتتميز الحياة في الصحراء، بأن سكانها من الرعاة الرحل الذين يسكنون في الخيام، ويعيشون على رعي الأغنام والماشية، ويتميزون بالتنقل من مكان لآخر طلباً للمياه والكلأ، بينما تعيش في الصحراء بعض النباتات مثل الصبار، حيث تشكل الأشواك في نبتة الصبار سياج من الأسلاك الشائكة، بهدف توفير الحماية لها ومنع الحيوانات من أكلها، ومن أشهر أنواع الصبار الذي يعيش في الصحراء الصبار السجوار، وهو أطول نباتات الصبار حيث يصل ارتفاعه إلى 12 متراً.

فيما تحتوي الصحراء على عدد كبير من الحشرات والعناكب والزواحف والطيور والثدييات، كما تفد إلى الصحراء بعض الحيوانات البرية مثل الأيائل عند سقوط الأمطار، ومن أهم الحيوانات التي تعيش في الظروف الصحراوية الجمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *